الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن خَمْسَةٌ: مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ، وَالِاسْتِقْبَالُ.
الشرحُ بَابٌ بِالتَّنْوِينِ مُشْتَمِلٌ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ) وَالشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْعَلَامَةُ، وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ: أَيْ: عَلَامَاتُهَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا: الشَّرْطُ بِالسُّكُونِ: إلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ، لَا الْعَلَامَةُ وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَعْنَى الشَّرْطِ بِالْفَتْحِ. ا هـ. فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَفَرُّدَاتِهِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمَانِعُ لُغَةً الْحَائِلُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ كَالْكَلَامِ فِيهَا عَمْدًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَاضِي أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَى مَوَانِعِهَا، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِهَا نَاسَبَ تَأَخُّرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا، وَبِكَيْفِيَّتِهَا، وَتَمْيِيزُ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا فَلِمَ لَمْ يَعُدَّهَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مُخْتَصٍّ بِالصَّلَاةِ، فَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَاتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَرْضًا أَوْ عَلِمَ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ لِتَرْكِهِ مَعْرِفَةَ التَّمْيِيزِ الْوَاجِبَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مِنْ الْعَامَّةِ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَيْ: أَوْ غَيْرَهَا مِنْ سُنَنِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، أَيْ: وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَتَقَيُّدُهُ بِالْعَامِّيِّ يُفْهِمُ أَنَّ الْعَالِمَ إنْ لَمْ يُمَيِّزْ بِقَصْدِهِ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ نَفْلًا. ا هـ. بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ، وَلَوْ اعْتَقَدَ عَامِّيٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ صَحَّتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ. أَوَّلُ الْخَمْسَةِ (مَعْرِفَةُ) دُخُولِ (الْوَقْتِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا بِالِاجْتِهَادِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَدْلُولَ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ لِيَخْرُجَ الظَّنُّ: فَمَنْ صَلَّى بِدُونِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ (وَ) ثَانِيهَا (الِاسْتِقْبَالُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
المتن وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ.
الشرحُ (وَ) ثَالِثُهَا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَنْ الْعُيُونِ، وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الْأَعْرَافُ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ: الْبَالِغُ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بِخِمَارٍ، وَلَا غَيْرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا، وَيُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا وَيُعِيدُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ وَالْإِتْمَامِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرِيدَ التَّمَثُّلِ بَيْنَ يَدَيْ كَبِيرٍ يَتَجَمَّلُ بِالسَّتْرِ وَالتَّطْهِيرِ وَالْمُصَلِّي يُرِيدُ التَّمَثُّلَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ، فَالتَّجَمُّلُ لَهُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَاغْتِسَالٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْحَاجَةِ. قَالَ: وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةُ الثَّوْبِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْغُبَارِ عِنْدَ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالسُّتْرَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ السَّتْرِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُحْجَبُ عَنْ بَصَرِهِ شَيْءٌ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرَى عَبْدَهُ الْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَالْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ، وَسُمِّيَ الْمِقْدَارُ الْآتِي بَيَانُهُ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ، وَالْعَوْرَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَعَلَى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النِّكَاحِ.
المتن وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ، وَرُكْبَتِهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْحَرَّةُ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
الشرحُ (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ) أَيْ: الذَّكَرِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الطَّوَافِ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ) لِمَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ) . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ (وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرُ: أَيْ: الْأَمَةُ إلَى عَوْرَتِهِ) وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (وَكَذَا الْأَمَةُ) وَلَوْ مُدَبَّرَةً وَمُكَاتَبَةً وَمُسْتَوْلَدَةً وَمُبَعَّضَةً عَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهَا بِالرَّجُلِ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَالثَّانِي عَوْرَتُهَا كَالْحُرَّةِ إلَّا رَأْسَهَا: أَيْ: عَوْرَتُهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَالرَّأْسَ. وَالثَّالِثُ: عَوْرَتُهَا مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالِ خِدْمَتِهَا، بِخِلَافِ مَا يَبْدُو كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الرُّكْبَةُ مِنْهَا دُونَ السُّرَّةِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ: وَقِيلَ: السَّوْأَتَانِ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ.
فَائِدَةٌ: السُّرَّةُ: مَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ، وَالسُّرُّ مَا يُقْطَعُ مِنْ سُرَّتِهِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ سُرَّةٌ، لِأَنَّ السُّرَّةَ لَا تُقْطَعُ، وَجَمْعُ السُّرَّةِ سُرَرٌ وَسُرَّاتٌ، وَالرُّكْبَةُ مَوْصِلُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْفَخِذِ وَأَعَالِي السَّاقِ، وَالْجَمْعُ رُكَبٌ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْبَعٍ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ وَعُرْقُوبَاهُ فِي رِجْلَيْهِ (وَ) عَوْرَةُ (الْحُرَّةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ظَهْرِهِمَا وَبَطْنِهِمَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النُّورُ]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ أَنَّ بَاطِنَ قَدَمَيْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَيْسَ الْقَدَمَانِ عَوْرَةً، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى رِقًّا وَحُرِّيَّةً، فَإِنْ اقْتَصَرَ الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْأَفْقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ فِي السَّتْرِ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ الصِّحَّةَ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَكَثِيرٌ الْقَطْعُ بِهِ لِلشَّكِّ فِي عَوْرَتِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي الْبُطْلَانِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنَّ الْعَدَدَ لَوْ كَمَلَ بِخُنْثَى لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكَمَلَ الْعَدَدُ بِالْخُنْثَى لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْبُطْلَانِ.
المتن وَشَرْطُهُ مَا مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ، وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ فَلْيُزِرَّهُ، أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ، وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا فَقُبُلَهُ وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ.
الشرحُ (وَشَرْطُهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (مَا) أَيْ: جَزَمَ (مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) لَا حَجْمِهَا فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ وَلَا زُجَاجٌ يَحْكِي اللَّوْنَ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ. أَمَّا إدْرَاكُ الْحَجْمِ فَلَا يَضُرُّ لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأُولَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى عِبَارَتِهِ الظُّلْمَةُ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْإِدْرَاكِ، وَلَطْخُ الْعَوْرَةِ بِنَحْوِ حِبْرٍ كَحِنَّاءٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ، إذْ الْكَلَامُ فِي السَّاتِرِ وَمَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا بَلْ غَيْرُ الظُّلْمَةِ يُسَمَّى مُغَيِّرًا (وَلَوْ) هُوَ (طِينٌ) أَوْ حَشِيشٌ أَوْ وَرَقٌ (وَمَاءٌ كَدِرٌ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَاءٍ صَافٍ مُتَرَاكِمٍ بِخُضْرَةٍ لَمَنَعَ مَا ذَكَرَ الْإِدْرَاكَ، وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ يُمْكِنَهُ السُّجُودُ فِيهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَيَسْجُدَ عَلَى الشَّطِّ لَمْ يَلْزَمْهُ: أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ) وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى السَّتْرِ، وَالثَّانِي لَا لِلْمَشَقَّةِ وَالتَّلْوِيثِ (وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (وَجَوَانِبِهِ) لِلْعَوْرَةِ (لَا أَسْفَلِهِ) لَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَةً، فَسَتْرٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ لِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ " أَعْلَاهُ " وَجَوَانِبِهِ وَأَسْفَلِهِ، وَلَوْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَفْعُولِهِ لَأَنَّثَهَا، فَقَالَ: وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهَا إلَخْ (فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، سَوَاءٌ كَانَ الرَّائِي لَهَا هُوَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ الْغَيْرِ الْمَشْهُورَةِ أَمْ غَيْرَهُ (مِنْ جَيْبِهِ) أَيْ: طَوْقِ قَمِيصِهِ لِسَعَتِهِ (فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ) السَّتْرُ بِهَذَا الْقَمِيصِ (فَلْيَزُرَّهُ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْأَحْسَنِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا (أَوْ يَشُدَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْأَحْسَنِ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ (وَسَطَهُ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا حَتَّى لَا تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ، وَلَوْ سَتَرَ بِلِحْيَتِهِ أَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُفْسِدِ، وَفَائِدَتُهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَفِيمَا إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْجَيْبُ هُوَ الْمَنْفَذُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الرَّأْسُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ ذَيْلِهِ كَأَنْ كَانَ فِي عُلْوٍ وَالرَّائِي فِي سُفْلٍ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، وَمَعْنَى رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُئِيَتْ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ وَقَفَ مَثَلًا فِي خَابِيَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ ضَيِّقَيْ الرَّأْسِ يَسْتُرَانِ الْوَاقِفَ فِيهِمَا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَشَرْطُ السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ لُبْسًا وَنَحْوَهُ فَلَا تَكْفِي الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ وَنَحْوُهَا (وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا) أَيْ: عَوْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ السَّوْأَةِ أَوْ مِنْهَا بِلَا مَسٍّ نَاقِضٍ (بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ بَعْضَهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا لَهُ. أَمَّا بِيَدِ غَيْرِهِ فَيَكْفِي قَطْعًا وَإِنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ كَمَا لَوْ سَتَرَ بِقِطْعَةِ حَرِيرٍ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ الثَّوْبَ الْمُخَرَّقَ، وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً نَجِسَةً، وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهَا بِهِ أَوْ وَجَدَ الْمَاءَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَغْسِلُهَا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ غَسْلِهَا أَوْ وَجَدَهُ، وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ، وَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَهَا، وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ حُبِسَ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَاحْتَاجَ إلَى فَرْشِ السُّتْرَةِ عَلَيْهَا صَلَّى عَارِيًّا، وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَدَّى غَسْلُ السُّتْرَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ غَسَلَهَا وَصَلَّى خَارِجَهُ، وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ عَارِيًّا كَمَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ الْمُصَلِّي بَعْضَ السُّتْرَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ جَرَى فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطَّهَارَةِ رَفْعُ الْحَدَثِ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا السَّتْرُ، وَهُوَ يَتَجَزَّأُ (فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ) أَيْ: قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ (تَعَيَّنَ لَهُمَا) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ، وَلِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَسُمِّيَا سَوْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَشْفَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبَهُمَا. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الْأَعْرَافُ] أَيْ: ظَهَرَتْ لَهُمَا، وَكَانَا لَا يَرَيَانِهَا مِنْ أَنْفُسِهِمَا أَوْ لَا يَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: (مَا رَأَيْت مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا رَأَى مِنِّي) (أَوْ) كَافِيَ (أَحَدَهُمَا فَقُبُلَهُ) يَسْتُرُهُ وُجُوبًا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَارِزٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالدُّبُرُ مَسْتُورٌ غَالِبًا بِالْأَلْيَيْنِ، وَبَدَلُ الْقِبْلَةِ كَالْقِبْلَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى صَوْبَ مَقْصِدِهِ، وَيَسْتُرُ الْخُنْثَى قُبُلَيْهِ، فَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: سَتْرُ آلَةِ الرَّجُلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ، وَآلَةِ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ (وَقِيلَ:) يَسْتُرُ (دُبُرَهُ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: تَسْتُرُ الْمَرْأَةُ الْقُبُلَ وَالرَّجُلُ الدُّبُرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى بَدَلَ الْوُجُوبِ الِاسْتِحْبَابَ. وَالْقُبُلُ وَالدُّبُرُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَثَانِيهِمَا، وَيَجُوزُ فِي ثَانِيهِمَا الْإِسْكَانُ. فُرُوعٌ: لَيْسَ لِلْعَارِي غَصْبُ الثَّوْبِ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ فِي الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا، وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِنَحْوِ دَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ عَارِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ غَيْرُهُ وَقَبُولُ هِبَةٍ نَحْوِ الطِّينِ لَا قَبُولُ هِبَةِ الثَّوْبِ، وَلَا اقْتِرَاضُهُ لِثِقَلِ الْمِنَّةِ، وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ، وَاسْتِئْجَارُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَوْ وُجِدَ ثَمَنُ الثَّوْبِ أَوْ الْمَاءُ قُدِّمَ الثَّوْبُ وُجُوبًا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، بِخِلَافِ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ وَصَّى بِصَرْفِ ثَوْبٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَكَّلَ فِي إعْطَائِهِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَفْحَشُ ثُمَّ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ ثُمَّ الرَّجُلِ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَفَى الثَّوْبُ الْمُؤَخَّرُ دُونَ الْمُقَدَّمِ قُدِّمَ الْمُؤَخَّرُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ لِآخَرَ، وَيُصَلِّي عَارِيًّا لَكِنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ ثَوْبٌ حَرِيرٌ فَقَطْ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ لُزُومُ قَطْعِهِ إذَا لَمْ يَنْقُصْ أَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ يَجُوزُ لِأَدْوَنَ مِنْ ذَلِكَ كَدَفْعِ الْقَمْلِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ لِلصَّلَاةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَيْهِ فِي الْخَلْوَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَةِ الثَّوْبِ. وَلَوْ صَلَّتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي صَلَاتِهَا وَوَجَدَتْ سُتْرَةً بَعِيدَةً، بِحَيْثُ إنْ مَضَتْ إلَيْهَا احْتَاجَتْ إلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ أَوْ انْتَظَرَتْ مَنْ يُلْقِيهَا إلَيْهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فِي التَّكَشُّفِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ السُّتْرَةَ بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا، وَكَذَا إنَّ وَجَدَتْ قَرِيبًا مِنْهَا فَتَنَاوَلَتْهَا وَلَمْ تَسْتَدْبِرْ قِبْلَتَهَا وَسَتَرَتْ بِهَا رَأْسَهَا فَوْرًا، وَلَوْ وَجَدَ عَارٍ سُتْرَتَهُ فِي صَلَاتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا فِيمَا ذُكِرَ. وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ بِلَا سَتْرِ رَأْسِهَا عَاجِزَةً عَنْ سَتْرِهَا عَتَقَتْ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهَا أَوْ قَادِرَةً عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا، وَلَمْ تَعْتِقْ لِلدُّورِ، إذْ لَوْ عَتَقَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لَا تَعْتِقُ، فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ. وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ لِلصَّلَاةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيَتَقَمَّصُ، وَيَتَعَمَّمُ،، وَيَتَطَيْلَسُ، وَيَرْتَدِي،، وَيَتَّزِرُ أَوْ يَتَسَرْوَلُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَقَمِيصٌ مَعَ رِدَاءٍ أَوْ إزَارٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْلَى مِنْ رِدَاءٍ مَعَ إزَارٍ أَوْ سَرَاوِيلَ وَمِنْ إزَارٍ مَعَ سَرَاوِيلَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الْأَعْرَافُ]، وَالثَّوْبَانِ أَهَمُّ الزِّينَةِ، وَلِخَبَرِ (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى، وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَمِيصٌ، فَإِزَارٌ، فَسَرَاوِيلُ، وَيَلْتَحِفُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إنْ اتَّسَعَ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، فَإِنْ ضَاقَ اتَّزَرَ بِهِ وَجَعَلَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ. وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلِهَا الْخُنْثَى فِي الصَّلَاةِ ثَوْبٌ سَابِغٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهَا وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ كَثِيفَةٌ وَإِتْلَافُ الثَّوْبِ وَبَيْعُهُ فِي الْوَقْتِ كَالْمَاءِ، وَلَا يُبَاعُ لَهُ مَسْكَنٌ، وَلَا خَادِمٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ بِالِاضْطِبَاعِ، وَأَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ، فَإِنْ تَثَاءَبَ غَطَّاهُ بِيَدِهِ نَدْبًا، وَأَنْ يَشْتَمِلَ اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ بِأَنْ يُجَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ بِأَنْ يُجَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ بِدُونِ رَفْعِ طَرَفَيْهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً.
المتن وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ، فَإِنْ سَبَقَهُ بَطَلَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ يَبْنِي.
الشرحُ (وَ) رَابِعُهَا (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَدَثِ، فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا عِنْدَ إحْرَامِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ مُتَطَهِّرًا، ثُمَّ أَحْدَثَ نَظَرَ (فَإِنْ سَبَقَهُ) الْحَدَثُ غَيْرُ الدَّائِمِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ فِي الْجَدِيدِ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَالتَّعْلِيلُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النِّسَاءُ] فَإِنَّ الرَّبِيبَةَ تَحْرُمُ مُطْلَقًا، فَلَفْظُ الْحُجُورِ لَا مَفْهُومَ لَهُ (وَفِي الْقَدِيمِ) وَالْإِمْلَاءُ، وَهُوَ جَدِيدٌ يَتَطَهَّرُ، وَ (يَبْنِي) عَلَى صَلَاتِهِ لِعُذْرِهِ بِالسَّبْقِ، وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ لِحَدِيثٍ فِيهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقَلِّلَ الزَّمَانَ، وَالْأَفْعَالَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِدَارُ الْخَارِجُ عَنْ الْعَادَةِ. فَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ بَابَانِ فَسَلَكَ الْأَبْعَدَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ طَهَارَتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يُسْتَخْلَفْ، وَانْتَظَرَهُ الْمَأْمُومُونَ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِمْ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَظِرُوهُ بَلْ أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ فُرَادَى أَوْ قَدَّمُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ مَثَلًا فَلَا يَعُودُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ، أَوْ مَأْمُومًا يَبْتَغِي فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَرَاهَةِ وُقُوفِ الْمَأْمُومِ فَرْدًا، فَلَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا، فَتَطَهَّرَ وَعَادَ لَمْ يَتَجَاوَزْ الصَّفَّ الْأَخِيرَ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ تَحْصُلُ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَمَّا الْحَدَثُ الدَّائِمُ كَسَلَسِ بَوْلٍ، فَلَا يَضُرُّ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ أَحْدَثَ مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَمْ نَاسِيًا.
المتن ، وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ.
الشرحُ وَلَوْ صَلَّى نَاسِيًا لِلْحَدَثِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ لَا عَلَى فِعْلِهِ إلَّا الْقِرَاءَةَ، وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفِي إثَابَتِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ جُنُبًا نَظَرٌ. ا هـ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَدَمُ الْإِثَابَةِ (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ: الْقَوْلَانِ (فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ) أَيْ: مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ (عَرَضَ) فِيهَا (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْ الْمُصَلِّي (وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ) كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ أَوْ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَاحْتَاجَ إلَى غَسْلِهِ أَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ (فَإِنْ أَمْكَنَ) دَفْعُهُ فِي الْحَالِ (بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ) أَيْ: أَظْهَرَتْ عَوْرَتَهُ أَوْ وَقَعَتْ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ (فَسَتَرَ) الْعَوْرَةَ أَوْ أَلْقَى النَّجَاسَةَ الْيَابِسَةَ أَوْ أَلْقَى الثَّوْبَ فِي الرَّطْبَةِ (فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُغْتَفَرُ هَذَا الْعَارِضُ الْيَسِيرُ.
المتن وَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا بَطَلَتْ.
الشرحُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَحِّيَ النَّجَاسَةَ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ نَحَّاهَا بِعُودٍ فَكَذَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَإِنْ قَصَّرَ) فِي دَفْعِهِ (بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (بَطَلَتْ) قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ حَيْثُ افْتَتَحَهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ أَوْ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْغُسْلِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ، وَكَذَا لَوْ غَسَلَهُمَا بَعْدَهَا لِمُضِيِّ مُدَّةٍ، وَهُوَ مُحْدِثٌ، حَتَّى لَوْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَاسْتَمَرَّ إلَى انْقِضَائِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَدَثٍ ثُمَّ يَرْتَفِعُ، وَأَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ حَدَثٌ لَمْ تَشْمَلْهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ: أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ الْمُدَّةِ إلَى فَرَاغِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّ الْمُدَّةَ تَنْقَضِي فِيهَا، فَيَنْبَغِي عَدَمُ انْعِقَادِهَا، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ يُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ انْعَقَدَتْ، وَلَوْ افْتَصَدَ مَثَلًا فَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ، وَلَمْ يُلَوِّثْ بَشَرَتَهُ أَوْ لَوَّثَهَا قَلِيلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ فِي الْأُولَى غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُغْتَفَرٌ. وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفَ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ،، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ، وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِلصَّلَاةِ خُصُوصًا إذَا قَرُبَتْ إقَامَتُهَا أَوْ أُقِيمَتْ.
المتن وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ.
الشرحُ (وَ) خَامِسُهَا (طَهَارَةُ النَّجَسِ) الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ (فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) أَيْ: ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ حَتَّى دَاخِلَ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ (وَالْمَكَانِ) أَيْ: مَكَانِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِ بِوُجُودِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [الْمُدَّثِرُ]، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) ثَبَتَ الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ النَّجَسِ، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِغَيْرِ تَضَمُّخٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي فَسَادَهَا فَلَزِمَ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا جُعِلَ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ هُنَا كَظَاهِرِهِمَا بِخِلَافِ غَسْلِ الْجَنَابَةِ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الطَّهَارَةِ، فَلَوْ أَكَلَ مُتَنَجِّسًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ، وَلَوْ رَأَيْنَا فِي ثَوْبِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ بِهَا لَزِمَنَا إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، كَمَا لَوْ رَأَيْنَا صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ فَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِصْيَانًا، وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ كَثُرَ ذَرْقُ الطَّيْرِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، وَقُيِّدَ فِي الْمَطْلَبِ الْعَفْوُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيِّنٌ. قَالَ شَيْخِي: وَأَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا: أَيْ: أَوْ رِجْلُهُ مَبْلُولَةً. فَرْعٌ: لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ وَجَبَ قَطْعُ مَوْضِعِهَا إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ، هَذَا مَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقُيِّدَ أَيْضًا وُجُوبُ الْقَطْعِ بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالظَّاهِرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
المتن وَلَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ، وَنَجَسٌ اجْتَهَدَ.
الشرحُ (وَلَوْ اشْتَبَهَ) عَلَيْهِ (طَاهِرٌ وَنَجَسٌ) مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ (اجْتَهَدَ) فِيهِمَا لِلصَّلَاةِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا فِي الْأَوَانِي، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى فِيمَا ظَنَّهُ الطَّاهِرَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ،، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِيَاهِ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا لِكُلِّ فَرْضٍ، لِأَنَّ بَقَاءَ الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ فَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ فَيُصَلِّي فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ كَمَا لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْمِيَاهِ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا، وَلَوْ جَمَعَهُمَا عَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ صَلَّى عَارِيًّا أَوْ فِي أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَأَعَادَ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ، وَلِأَنَّ مَعَهُ ثَوْبًا فِي الْأُولَى، وَمَكَانًا فِي الثَّانِيَةِ طَاهِرًا بِيَقِينٍ. وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَدَنَانِ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِأَحَدِهِمَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا وَعَمِلَ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ وَاحِدٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ إلَى الْآخِرِ صَلَّى خَلْفَهُ، وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى كَمَا لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ تَحَيَّرَ صَلَّى مُنْفَرِدًا.
المتن وَلَوْ نَجَسَ بَعْضُ ثَوْبٍ، أَوْ بَدَنٍ وَجَهِلَ، وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ.
الشرحُ (وَلَوْ نَجَسَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا (بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ) بَعْضُ (بَدَنٍ) أَوْ مَكَان ضَيِّقٍ (وَجَهِلَ) ذَلِكَ الْبَعْضَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ) لِتَصِحَّ الصَّلَاةَ فِيهِ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ مَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ وَاسِعًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا اجْتِهَادٍ، وَسَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ، وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: الْمُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنْ بَلَغَتْ بِقَاعُ الْمَوْضِعِ - لَوْ فُرِّقَتْ - حَدَّ الْعَدَدِ غَيْرَ الْمَحْصُورِ فَوَاسِعٌ وَإِلَّا فَضَيِّقٌ، وَتُقَدَّرُ كُلُّ بُقْعَةٍ بِمَا يَسَعُ الْمُصَلِّيَ. ا هـ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي: وَإِذَا جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْمُتَّسَعِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مَوْضِعٌ قَدْرَ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوَانِي.
المتن فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجَسٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ.
الشرحُ وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ رَطْبٌ بَعْضَ مَا ذُكِرَ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ نَجَاسَةَ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي النَّجَاسَةِ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ دُونَ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مُقَدَّمِ الثَّوْبِ مَثَلًا، وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ غَسْلُ مُقَدَّمِهِ فَقَطْ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ الْمَذْكُورَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّقُّ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَيَكُونَانِ نَجَسَيْنِ (فَلَوْ ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَرَفًا) مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ أَوْ مَوَاضِعَ مُتَمَيِّزَةٍ كَأَحَدِ طَرَفَيْ الثَّوْبِ وَأَحَدِ الْكُمَّيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالْأَصَابِعِ (لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ لِعَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَاحِدٌ، وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَيْئَيْنِ، وَلَوْ فَصَلَ كُمَّيْ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَ أَوْ فَصَلَ أَحَدَهُمَا جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِتَعَدُّدِ الْمُشْتَبَهِ فِيهِ، فَلَوْ غَسَلَ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ بِالِاجْتِهَادِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا، وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَالثَّوْبَيْنِ (وَلَوْ غَسَلَ) بَعْضَ شَيْءٍ مُتَنَجِّسٍ كَأَنْ غَسَلَ (نِصْفَ) ثَوْبٍ (نَجَسٍ ثُمَّ) غَسَلَ (بَاقِيَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ) مِمَّا غَسَلَ أَوَّلًا (طَهُرَ كُلُّهُ وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَعَهُ مُجَاوِرَهُ (فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ) بِفَتْحِ الصَّادِ يَطْهُرُ، وَهُوَ الطَّرَفَانِ فَقَطْ، وَيَبْقَى الْمُنْتَصَفُ نَجَسًا فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَيَغْسِلُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ مُلَاقٍ لِنَجَسٍ،، وَيَجْتَنِبُ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ بَعْضُهُ الَّذِي جَهِلَ مَكَانَ النَّجَاسَةَ فِيهِ. لَا يُقَالُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ تَيَقَّنَّا نَجَاسَةَ الثَّوْبِ، وَلَمْ نَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ، وَالطَّهَارَةُ لَا تُرْفَعُ بِالشَّكِّ، وَلَا يُشْكَلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ مَسَّ شَيْئًا رَطْبًا لَا يُنَجِّسُهُ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِالْمُجَاوِرِ مُجَاوِرُهُ وَهَكَذَا، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَدُفِعَ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمُجَاوِرِ لَا تَتَعَدَّى، إلَى مَا بَعْدَهُ كَالسَّمْنِ الْجَامِدِ يَنْجُسُ مِنْهُ مَا حَوْلَ النَّجَاسَةِ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ عَلَّقَ الثَّوْبَ، وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْلَاهُ إلَى النِّصْفِ ثُمَّ صَبَّ عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي طَهُرَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَرَادَّ إلَى الْأَعْلَى، وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ لِأَنَّهُ يَتَرَادَّ، وَمَحَلُّ الْأَوَّلِ مَا إذَا غَسَلَهُ بِالصَّبِّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ، فَإِنْ غَسَلَهُ فِي إنَاءٍ كَجَفْنَةٍ، وَنَحْوِهَا بِأَنْ وَضَعَ نِصْفَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً يَغْمُرُهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يُغْسَلَ دَفْعَةً كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ مَا فِي نَحْوِ الْجَفْنَةِ يُلَاقِيهِ الثَّوْبُ الْمُتَنَجِّسُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَيَنْجُسُ، وَإِذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ.
المتن ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ.
الشرحُ (، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ - بَعْضُ لِبَاسِهِ -) أَوْ بَدَنِهِ (نَجَاسَةً) فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ كُمِّهِ الطَّوِيلِ الْمُتَّصِلِ بِنَجَاسَةٍ، وَخَالَفَ ذَلِكَ مَا لَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ حَيْثُ تَصِحُّ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ، وَهَذَا يُنَافِيهِ، وَالْمَطْلُوبُ فِي السُّجُودِ كَوْنُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى غَيْرِهِ لِحَدِيثِ " مَكِّنْ جَبْهَتَك " فَإِذَا سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ.
المتن ، وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجَسٍ إنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (، وَلَا) تَصِحُّ صَلَاةُ نَحْوِ (قَابِضٍ) كَشَادٍّ بِنَحْوِ يَدِهِ (طَرَفَ شَيْءٍ) كَحَبْلٍ طَرَفُهُ الْآخَرُ نَجَسٌ أَوْ مَوْضُوعٌ (عَلَى نَجَسٍ إنْ تَحَرَّكَ) مَا ذُكِرَ بِحَرَكَتِهِ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ) بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمُتَّصِلٍ بِنَجَاسَةٍ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، فَكَأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا، وَالثَّانِي تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الطَّرَفَ الْمُلَاقِيَ لِلنَّجَاسَةِ لَيْسَ مَحْمُولًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ طَرَفُ الْحَبْلِ مُلْقًى عَلَى سَاجُورِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ أَوْ مَشْدُودًا بِدَابَّةٍ أَوْ بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ بِجَرِّ الْحَبْلِ أَوْ قَابِضِهِ يَحْمِلَانِ نَجَسًا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ لَا تَتَحَرَّكُ بِجَرِّهِ فَإِنَّهَا كَالدَّارِ، وَلَا فَرْقَ فِي السَّفِينَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَرِّ لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. ا هـ.
تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ فِي اتِّصَالِ الْحَبْلِ بِسَاجُورِ الْكَلْبِ، وَلَا بِمَا ذُكِرَ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ مَشْدُودًا بِهِ بَلْ الْإِلْقَاءُ عَلَيْهِ كَافٍ كَمَا عَبَّرْت بِهِ فِي السَّاجُورِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَشْدُودٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ نَحْوِ حِمَارٍ، وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي السَّاجُورِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْهُ، لِأَنَّ السَّاجُورِ قَدْ يُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ الْحَبْلِ وَأَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ.
المتن فَلَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ مُطْلَقًا، وَلَا يَضُرُّ نَجَسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشرحُ (فَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ: طَرَفَ مَا طَرَفُهُ الْآخَرُ نَجَسٌ أَوْ الْكَائِنَ عَلَى نَجَسٍ (تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَتَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَابِسًا، وَلَا حَامِلًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجَسٌ أَوْ مَفْرُوشٌ عَلَى نَجَسٍ أَوْ عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ فِي نَجَسٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجَسٍ صَلَّى، وَتَجَافَى عَنْ النَّجَسِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ،، وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ بَلْ يَنْحَنِي بِالسُّجُودِ إلَى قَدْرٍ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجِسَ ثُمَّ يُعِيدُ (وَلَا يَضُرُّ) فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ (نَجَسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَغَيْرِهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ لَهُ. وَالثَّانِي يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَكَانَ صَلَاتِهِ فَتَعَيَّنَ طَهَارَتُهُ كَاَلَّذِي يُلَاقِيهِ. أَمَّا إذَا لَاقَاهُ فَتَبْطُلُ جَزْمًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ صَلَّى مَاشِيًا وَبَيْنَ خُطُوَاتِهِ نَجَاسَةٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَوْ عَبَّرَ بِيُحَاذِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَقَدْ عَبَرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُوهِمُ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ كَسَقْفِ الْبَيْتِ وَحِيطَانِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْجِدَارِ النَّجِسِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي مَاشِيًا وَكَانَ بَيْنَ خُطُوَاتِهِ نَجَاسَةٌ كَمَا مَرَّ، وَفِيمَا إذَا جَعَلَ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَوْبًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَتْ مُمَاسَّةُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْفُرَجِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
المتن وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجَسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ فَمَعْذُورٌ، وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا.
الشرحُ (وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ) لِانْكِسَارِهِ مَثَلًا وَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْوَصْلِ (بِنَجَسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ) الصَّالِحِ لِلْوَصْلِ أَوْ وَجَدَهُ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ لَا يَنْفَعُ وَوَصَلَهُ بِالنَّجَسِ (فَمَعْذُورٌ) فِي ذَلِكَ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ إذَا وَجَدَ الطَّاهِرَ. ا هـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ،، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ مَحَلَّهُ إذَا خَافَ مِنْ نَزْعِهِ ضَرَرًا، وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ، وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ لَحْمَ الْآدَمِيِّ لَا يَنْجَبِرُ سَرِيعًا إلَّا بِعَظْمِ نَحْوِ كَلْبٍ، فَيَتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ عُذْرٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ فِي بُطْءِ الْبُرْءِ وَعَظْمِ غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِي تَحْرِيمِ الْوَصْلِ بِهِ وَوُجُوبِ نَزْعِهِ كَالْعَظْمِ النَّجِسِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ فِي النَّفْسِ مِنْ عَظْمِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ شَيْئًا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ وَصَلَهُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْوَصْلِ حَرُمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (نَزْعُهُ) وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا)، وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ.
المتن قِيلَ، وَإِنْ خَافَ فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشرحُ وَلَوْ اكْتَسَى لَحْمًا لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً تَعَدَّى بِحَمْلِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إزَالَتِهَا كَوَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجَسٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَ الْحَاكِمَ نَزْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا مُبَالَاةَ بِأَلَمِهِ فِي الْحَالِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ فِي الْمَآلِ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا تَعَدَّى بِحَمْلِهَا وَيُمْكِنُهُ إزَالَتُهَا، بِخِلَافِ شَارِبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَايَأْ مَا شَرِبَهُ تَعَدِّيًا لِحُصُولِهِ فِي مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ (قِيلَ)، وَيَجِبُ نَزْعُهُ أَيْضًا (وَإِنْ خَافَ) ضَرَرًا ظَاهِرًا لِتَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُصَلِّيَ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ بِنَجَاسَةٍ تَعَدَّى بِحَمْلِهَا وَنَحْنُ نَقْتُلُهُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ رِعَايَةً لِخَوْفِ الضَّرَرِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إمَامَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَصِحَّةِ صَلَاةِ الطَّاهِرَةِ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَقِيلَ: إنْ اسْتَتَرَ بِاللَّحْمِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَقِيلَ: إنْ خَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ لَمْ يَجِبْ، وَإِلَّا وَجَبَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْكُتُبِ. (فَإِنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ (لَمْ يَنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ عَنْهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَضِيَّةُ التَّعْدِيلِ الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ النَّزْعِ وَالثَّانِي حِلُّهُ. ا هـ. وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمَهُ مَعَ تَعْلِيلِهِمْ بِالثَّانِي، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ الْحِلَّ. وَالثَّانِي: يُنْزَعُ لِئَلَّا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ تَعَدَّى بِحَمْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ حَتَّى مَا احْتَرَقَ كَمَا كَانَتْ. أُجِيبَ بِأَنْ يَلْقَاهُ فِي الْقَبْرِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إنَّ الْمُعَادَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ هُوَ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمَيِّتِ طَلَبًا لِلطَّهَارَةِ لِئَلَّا يَبْقَى عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا نَجَسٌ فَتَجِبُ إزَالَتُهُ. فُرُوعٌ: الْوَشْمُ، وَهُوَ غَرْزُ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَخْضَرَّ بِسَبَبِ الدَّمِ الْحَاصِلِ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ حَرَامٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاشِرَةَ، وَالْمُسْتَوْشِرَةَ، وَالنَّامِصَةَ، وَالْمُتَنَمِّصَةَ) أَيْ: فَاعِلَةَ ذَلِكَ وَسَائِلَتَهُ فَتَجِبُ إزَالَتُهُ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَهَذَا إذَا فَعَلَهُ بِرِضَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ: بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْ: وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ، وَلَا يَنْجُسُ مَا وَضَعَ فِيهِ يَدَهُ مَثَلًا إذَا كَانَ عَلَيْهَا وَشْمٌ، وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِدَوَاءٍ نَجَسٍ، أَوْ خَاطَهُ بِخَيْطٍ نَجَسٍ أَوْ شَقَّ مَوْضِعًا فِي بَدَنِهِ وَجَعَلَ فِيهِ دَمًا فَكَالْجَبْرِ بِعَظْمٍ نَجَسٍ فِيمَا مَرَّ. وَلَوْ غَسَلَ شَارِبُ الْخَمْرِ أَوْ نَجَسٍ آخَرَ فَمَهُ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ شَرِبَهُ لِعُذْرٍ، وَوَصْلُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ بِشَعْرٍ نَجَسٍ أَوْ شَعْرِ آدَمِيٍّ حَرَامٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ،، وَلِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مُسْتَعْمِلٌ لِلنَّجِسِ الْعَيْنِيِّ فِي بَدَنِهِ، وَفِي الثَّانِي مُسْتَعْمِلٌ لِشَعْرِ آدَمِيٍّ، وَالْآدَمِيُّ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَبِسَائِرِ أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ، وَيَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَصْلُ شَعْرٍ بِغَيْرِهِمَا، وَكَالشَّعَرِ الْخِرَقُ وَالصُّوفُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: وَأَمَّا رَبْطُ الشَّعْرِ بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَتَجْعِيدُ الشَّعْرِ، وَوَشْرُ الْأَسْنَانِ:، وَهُوَ تَحْدِيدُهَا، وَتَرْقِيقُهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَيْضًا، وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِخَبَرِ (يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ، وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِهِ مَعَ السَّوَادِ، وَالتَّنْمِيصُ: وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ وَالْحَاجِبِ لِلْحُسْنِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّغْرِيرِ. أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَزْيِينِهَا لَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ. هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَخَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَشْرِ فَأَلْحَقَهُمَا بِالْوَشْمِ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إزَالَةُ شَعْرِهِ لِخَبَرِ (لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَحْرِيمَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَمْ يُبْعَدْ، وَنَتْفُ لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَشَارِبِهَا مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا، وَيُسَنُّ خَضْبُ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلِاتِّبَاعِ، وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ خَضْبُ كَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا بِذَلِكَ تَعْمِيمًا لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهَا لِزَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا. أَمَّا التَّطْرِيفُ أَوْ التَّنْقِيشُ فَلَا يُسْتَحَبُّ، وَخَرَجَ بِالْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ غَيْرُهُمَا فَيُكْرَهُ لَهَا، وَبِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْخِضَابُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَقِيقَةِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ.
المتن وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (وَيُعْفَى عَنْ) أَثَرِ (مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ) فِي حَقِّ نَفْسِهِ قَطْعًا لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَوْ عَرِقَ مَحَلُّ الْأَثَرِ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ، فَإِنْ جَاوَزَهُ وَجَبَ غَسْلُهُ قَطْعًا، وَمَا أَطْلَقَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا الرَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَاقَى الْأَثَرُ رَطْبًا آخَرَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى مُلَاقَاةِ ذَلِكَ (وَلَوْ حَمَلَ) فِي الصَّلَاةِ (مُسْتَجْمِرًا) أَوْ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَثَوْبٍ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي، أَوْ حَيَوَانًا مُتَنَجِّسَ الْمَنْفَذِ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْهُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ الْعَفْوُ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهِ فِيهَا. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ فِي حَقِّهِ كَالْمَحْمُولِ لِلْعَفْوِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ طَرَفَ شَيْءٍ مُتَنَجِّسًا أَنَّهُ يَضُرُّ أَنَّهُ لَوْ مَسَكَ الْمُصَلِّي مُسْتَجْمِرًا أَوْ مَلْبُوسَهُ أَوْ أَمْسَكَ الْمُسْتَجْمِرُ الْمُصَلِّيَ أَوْ مَلْبُوسَهُ أَنَّهُ يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّائِرُ الَّذِي عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِعُسْرِ صَوْنِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَجْمِرِ، فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ. وَلَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي حَيَوَانًا مَذْبُوحًا، وَإِنْ غَسَلَ الدَّمَ عَنْ مَذْبَحِهِ، أَوْ آدَمِيًّا أَوْ سَمَكًا أَوْ جَرَادًا مَيِّتًا أَوْ بَيْضَةً مَذِرَةً اسْتَحَالَتْ دَمًا، أَوْ عِنَبًا اسْتَحَالَ خَمْرًا، أَوْ قَارُورَةً خُتِمَتْ عَلَى دَمٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَبَوْلٍ، وَلَوْ بِرَصَاصٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. أَمَّا فِي الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَلِلنَّجَاسَةِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهَا كَالظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ لِأَنَّ لِلْحَيَاةِ أَثَرًا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ. وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِحَمْلِهِ نَجَاسَةً لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهَا.
المتن ، وَطِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ، وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ.
الشرحُ (وَطِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ) أَيْ: يَتَعَسَّرُ (الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا) إذْ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ الِانْتِشَارِ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ، فَلَوْ أُمِرُوا بِالْغُسْلِ كُلَّمَا أَصَابَتْهُمْ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَسَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ (وَيَخْتَلِفُ) الْمَعْفُوُّ عَنْهُ (بِالْوَقْتِ، وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) فَيُعْفَى فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَيُعْفَى فِي الذَّيْلِ وَالرِّجْلِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْكُمِّ وَالْيَدِ وَضَابِطُ الْقَلِيلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى سَقْطَةٍ عَلَى شَيْءٌ أَوْ كَبْوَةٍ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ، فَإِنْ نُسِبَ إلَى ذَلِكَ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عَنْهُ، وَلَوْ اخْتَلَطَ بِنَجَاسَةِ كَلْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعٍ تَكْثُرُ فِيهِ الْكِلَابُ، لِأَنَّ الشَّوَارِعَ مَعْدِنُ النَّجَاسَاتِ. ا هـ. وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ. وَاحْتُرِزَ بِالْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ عَمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِهَا كَغَالِبِ الشَّوَارِعِ، فَإِنَّ فِيهِ وَأَمْثَالِهِ كَثِيَابِ الْخَمَّارِينَ وَالْأَطْفَالِ وَالْجَزَّارِينَ وَالْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، فَإِنْ لَمْ تُظَنَّ نَجَاسَتُهُ فَطَاهِرٌ قَطْعًا. فُرُوعٌ: مَاءُ الْمِيزَابِ الَّذِي تُظَنُّ نَجَاسَتُهُ وَلَمْ تُتَيَقَّنْ طَهَارَتُهُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي طِينِ الشَّوَارِعِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَزْمَ بِطَهَارَتِهِ، وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْجُوخِ الَّذِي اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ فِيهِ شَحْمَ الْخِنْزِيرِ ؟ فَقَالَ: لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ إلَّا بِتَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، وَسُئِلَ عَنْ الْأَوْرَاقِ الَّتِي تُعْمَلُ وَتُبْسَطُ، وَهِيَ رَطْبَةٌ عَلَى الْحِيطَانِ الْمَعْمُولَةِ بِرَمَادٍ نَجَسٍ. فَقَالَ: لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا أَيْ: عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَمَحَلُّ الْعَمَلِ بِهِ إذَا كَانَ مُسْتَنَدُ النَّجَاسَةِ إلَى غَلَبَتِهَا، وَإِلَّا عَمِلَ بِالظَّنِّ، فَلَوْ بَالَ حَيَوَانٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَتَغَيَّرَ وَشَكَّ فِي سَبَبِ تَغَيُّرِهِ هَلْ هُوَ الْبَوْلُ أَوْ نَحْوُ طُولِ الْمُكْثِ حَكَمَ بِتَنَجُّسِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ بِنَجَسِ خُفِّهِ أَوْ نَعْلِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِدَلْكِهِ بِنَحْوِ أَرْضٍ كَالثَّوْبِ إذَا تَنَجَّسَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد (إذَا أَصَابَ خُفَّ أَحَدِكُمْ أَذًى فَلْيُدَلِّكْهُ فِي الْأَرْضِ) فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَقْذَرِ الظَّاهِرِ.
المتن وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالْأَصَحُّ لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ، وَلَا قَلِيلٍ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ. قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: إنْ عَصَرَهُ فَلَا، وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ، وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا فَكَالِاسْتِحَاضَةِ، وَإِلَّا
الشرحُ (وَ) يُعْفَى (عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ) وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ (وَوَنِيمِ الذُّبَابِ)، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ النُّونِ: ذَرْقُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَذَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَالْقِيَاسُ أَوْ رَوْثِهِ وَبَوْلِ الذُّبَابِ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْبَقُّ هُوَ الْبَعُوضُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْبَقَّ الْمَعْرُوفَ، وَالْبَرَاغِيثُ جَمْعُ بُرْغُوثٍ بِالضَّمِّ، وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ، وَيُقَالُ لَهُ: طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ بُرْغُوثًا فَقَالَ لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا لِصَلَاةِ الْفَجْرِ) وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ ثُمَّ تَمُجُّهَا وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَالذُّبَابُ مُفْرَدٌ، وَجَمْعُهُ ذِبَّانٌ بِالْكَسْرِ وَأَذِبَّةٌ، وَلَا يُقَالُ ذِبَّانَةٌ بِنُونٍ قَبْلَ الْهَاءِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَالْأَصَحُّ لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ) لِنُدْرَتِهِ وَلِسُهُولَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَلَا) عَنْ (قَلِيلٍ انْتَشَرَ) مِنْهُ (بِعَرَقٍ) لِمُجَاوَزَتِهِ مَحَلَّهُ، وَلِأَنَّ الْبَلْوَى بِهِ لَا تَعُمُّ (وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ) وَالْقِلَّةُ (بِالْعَادَةِ) فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا، وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ قَلِيلٌ، وَإِنْ زَادَ فَكَثِيرٌ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ، وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْمُصَلِّي فَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْكَثِيرُ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانِ نَظَرٍ، وَالْقَلِيلُ دُونَهُ، وَلِلْمَشْكُوكِ فِي كَثْرَتِهِ حُكْمُ الْقَلِيلِ. وَالثَّانِي: يُعْفَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عُسْرُ الِاحْتِرَازِ فَيَلْحَقُ غَيْرُ الْغَالِبِ مِنْهُ بِالْغَالِبِ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَتَرَخَّصُ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا يُوجِبُ الْمَشَقَّةَ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ: قَلَّ أَوْ كَثُرَ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ أَمْ لَا لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ أَصَابَهُ الدَّمُ بِلَا تَعَمُّدٍ، فَلَوْ حَمَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ فِي كُمِّهِ، أَوْ فَرَشَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَبِسَهُ، وَكَانَتْ الْإِصَابَةُ بِفِعْلِهِ قَصْدًا كَأَنْ قَتَلَهَا فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ لَمْ يُعْفَ إلَّا عَنْ قَلِيلٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ، وَمِثْلُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا ذَكَرَ مَعَهُ، وَمِمَّا هُوَ آتٍ، وَمِثْلُ حَمْلِهِ مَا لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى تَمَامِ لِبَاسِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمُقْتَضَاهُ مَنْعُ زِيَادَةِ الْكُمِّ عَلَى الْأَصَابِعِ وَلُبْسُ ثَوْبٍ آخَرَ لَا لِغَرَضٍ مِنْ تَجَمُّلٍ وَنَحْوِهِ. ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ مَحَلُّ الْعَفْوِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ وَقَعَ الثَّوْبُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: حُكِمَ بِتَنْجِيسِهِ (وَدَمُ الْبَثَرَاتِ) وَهِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ (كَالْبَرَاغِيثِ) أَيْ: كَدَمِهَا، فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ قَطْعًا، وَعَنْ كَثِيرِهِ عَلَى الرَّاجِحِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْهَا غَالِبًا، فَلَوْ وَجَبَ الْغُسْلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَمَّا مَا خَرَجَ مِنْهَا بِفِعْلِهِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ كَلَامِ الْكِفَايَةِ (وَقِيلَ: إنْ عَصَرَهُ فَلَا) يُعْفَى عَنْهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ( وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ) أَثَرُ الْجِرَاحَاتِ (وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ) فَيُعْفَى عَنْ دَمِهَا، وَإِنْ كَثُرَ عَلَى مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَالِبَةً فَلَيْسَتْ بِنَادِرَةٍ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا لِأَنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهَا، بَلْ يُقَالُ فِي جُزْئِيَّاتِ دَمِهَا (إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا فَكَالِاسْتِحَاضَةِ) أَيْ: كَدَمِهَا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِإِزَالَةِ مَا أَصَابَ مِنْهُ وَعَصْبِ مَحَلِّ خُرُوجِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَيُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ بَعْدَ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَدُومُ غَالِبًا.
المتن فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ) يُصِيبُهُ (فَلَا يُعْفَى) عَنْهُ: أَيْ: مَا لَا يَدُومُ غَالِبًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَمَا أَنَّ دَمَ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ (وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي دَمِ الْأَجْنَبِيِّ، وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى رَاجِعٌ إلَى مَا لَا يَدُومُ غَالِبًا هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَجَعَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ رَاجِعًا إلَى دَمِ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى أَوْ مُتَعَيَّنٌ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ: دَمَ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ، وَمَوْضِعَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ (كَالْبَثَرَاتِ) فِيمَا مَرَّ، فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ خَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ فَصَحَّحَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ عَلَى طُهْرِ التَّيَمُّمِ. ا هـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي مَنْهَجِهِ وَشَرْحِهِ (وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ) مِنْ نَفْسِهِ كَأَنْ انْفَصَلَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ نَحْوِ الْكَلْبِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَالْقَلِيلُ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ: عَدُّوهُ عَفْوًا، وَعَنْ الْقَدِيمِ يُعْفَى عَمَّا دُونَ الْكَفِّ. أَمَّا دَمُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ.
المتن وَالْقَيْحُ، وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ، وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالْمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا فِي بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا وَلَطَّخَ بِهِ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ (وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ النَّجَاسَةِ (كَالدَّمِ) فِيمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ اسْتَحَالَا إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ (وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالْمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ) كَالدَّمِ قِيَاسًا عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ (وَكَذَا بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى الصَّدِيدِ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَالْعَرَقِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ) قَطْعًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ، وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمٌ أَوْ دَمَتْ لِثَتُهُ لَمْ يَعْفُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَضْعَهُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: لَوْ تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ لَا يَمْسَحُ عَلَى أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدِ. ا هـ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ نَحْوِ بَرَاغِيثَ وَبَدَنُهُ رَطْبٌ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلْوِيثِ بَدَنِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الرُّطُوبَةُ بِمَاءِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِعَرَقٍ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ أَوْ جَعَلَ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجُّ].
المتن وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ.
الشرحُ (وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ) لَا يُعْفَى عَنْهُ (لَمْ يَعْلَمْهُ) ابْتِدَاءَ صَلَاتِهِ ثُمَّ عَلِمَ كَوْنَهُ فِيهَا (وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَالْقَدِيمِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِعُذْرِهِ، وَلِحَدِيثِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الصَّلَاةَ وَاخْتَارَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَمًا يَسِيرًا، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْذَرًا طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْذَرَ يُطْلَقُ عَلَى النَّجِسِ وَعَلَى فِعْلِهِ، وَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَزُّهًا، وَقِيلَ: إنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَاجِبًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ حِينَئِذٍ وَجَبَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ (وُضِعَ سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا).
المتن ، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشرحُ (وَإِنْ عَلِمَ) بِالنَّجِسِ (ثُمَّ نَسِيَ) فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ أَعَادَهَا أَوْ بَعْدَهُ (وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ التَّطْهِيرِ لَمَّا عَلِمَ بِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ لِعُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ، فَيَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ فِعْلُهَا مَعَ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ حُدُوثُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ فِي أَقْرَبِ زَمَنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: إذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ مَثَلًا نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَالْمَرْجُوُّ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ أَيْ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا صَلَّى نَاسِيًا لِلطَّهَارَةِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ لَا فِعْلِهِ إلَخْ فَيَأْتِي هُنَا.
|